فصل: باب البول في الأواني للحاجة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب ارتياد المكان الرخو وما يكره التخلي فيه

1- عن أبي موسى قال‏:‏ ‏(‏مال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى دمث إلى جنب حائط فبال وقال إذا بال أحدكم فليرتد لبوله‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث فيه مجهول لأن أبا داود قال في سننه حدثنا حماد أخبرنا أبو التياح حدثني شيخ قال‏:‏ لما قدم عبد اللَّه بن عباس البصرة فكان يحدثنا عن أبي موسى فكتب عبد اللَّه إلى أبي موسى يسأله عن أشياء فكتب إليه أبو موسى إني كنت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثًا في أصل جدار فبال ثم قال صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعًا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى دمث‏)‏ هو بدال مهملة فميم مفتوحتين فثاء مثلثة ذكر معناه في المصباح‏.‏ وفي القاموس دمث المكان وغيره كفرح سهل انتهى‏.‏ فالصفة منه دمث بميم مكسورة قبلها دال مفتوحة لأن الأكثر في الصفة المشبهة من فعل بكسر العين أن يكون على فعل بكسر عينه أيضًا إلا أن يكون ما ذكره في المصباح من النادر فإنه قد جاء ندس وندس وحذر وحذر وعجل وعجل بالضم والكسر فبها‏.‏ وجاء أيضًا فعل بسكون العين نحو شكس بوزن فلس وحر بوزن فلك وصفر بوزن حبر والكل من فعل بكسر العين كما تقرر في الصرف فينظر هل تأتي منه الصفة على فعل بفتح العين كما ذكره صاحب المصباح اللَّهم إلا أن يكون مصدرًا وصف به المكان مبالغة‏.‏ وقد ضبطه ابن رسلان في شرح السنن بكسر الميم على ما هو القياس كما ذكرنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليرتد‏)‏ أي يطلب محلًا سهلًا لينًا‏.‏ والحديث يدل على أنه ينبغي لمن أراد قضاء الحاجة أن يعمد إلى مكان لين لا صلابة فيه ليأمن من رشاش البول ونحوه وهو وإن كان ضعيفًا فأحاديث الأمر بالتنزه عن البول تفيد ذلك‏.‏

2 - وعن قتادة عن عبد اللَّه بن سرجس قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يبال في الجحر قالوا لقتادة ما يكره من البول في الجحر قال يقال إنها مساكن الجن‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وأبو داود‏.‏

وأخرجه الحاكم والبيهقي وقيل أن قتادة لم يسمع من عبد اللَّه بن سرجس حكاه حرب عن أحمد وأثبت سماعه منه علي بن المديني وصححه ابن خزيمة وابن السكن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الجحر‏)‏ هو بضم الجيم وسكون الحاء كل شيء تحتفره السباع والهوام لأنفسها كالجحران والجمع جحرة كعنبة وأحجار كأقفال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالوا لقتادة ما يكره‏)‏ هو بضم أوله مبني ما لم يسم فاعله‏.‏ قال ابن رسلان في شرح السنن‏:‏ والحديث يدل على كراهة البول في الحفر التي تسكنها الهوام والسباع إما لما ذكره قتادة أو لأنه يؤذي ما فيها من الحيوانات‏.‏

3 - وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ اتقوا اللاعنين قالوا‏:‏ وما اللاعنان يا رسول اللَّه قال‏:‏ الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

وفي لفظ مسلم ‏(‏اتقوا اللعانين قالوا وما اللعانان‏)‏ الحديث قال الخطابي‏:‏ المراد باللاعنين الأمران الجالبان للعن الحاملان الناس عليه والداعيان إليه وذلك أن من فعلهما لعن وشتم يعني عادة الناس لعنه فلما صارا سببًا أسند اللعن إليهما على طريق المجاز العقلي قال‏:‏ وقد يكون اللاعن بمعنى الملعون أي الملعون فاعلهما فهو كذلك من المجاز العقلي‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏الذي يتخلى في طريق الناس‏)‏ على حذف مضاف وتقديره تخلى الذي يتخلى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو في ظلهم‏)‏ المراد بالظل هنا على ما قاله الخطابي وغيره مستظل الناس الذي يتخذونه مقيلًا ومنزلًا ينزلونه ويقعدون فيه وليس كل ظل يحرم قضاء الحاجة فيه فقد قضى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حاجته في حائش النخل كما سلف وله ظل بلا شك‏.‏

والحديث يدل على تحريم التخلي في طرق الناس وظلهم لما فيه من أذية المسلمين بتنجيس من يمر به ونتنه واستقذاره‏.‏

وعن أبي سعيد الحميري عن معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه وقال‏:‏ هو مرسل‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم وصححه أيضًا ابن السكن قال الحافظ‏:‏ وفيه نظر لأن أبا سعيد لم يسمع من معاذ ولا يعرف بغير هذا الإسناد قاله ابن القطان‏.‏

وفي الباب عن ابن عباس نحوه رواه أحمد وفيه ضعف لأجل ابن لهيعة والراوي عن ابن عباس مبهم وعن سعد بن أبي وقاص في علل الدارقطني‏.‏ وعن أبي هريرة رواه مسلم في صحيحه بلفظ‏:‏ ‏(‏اتقوا اللاعنين قالوا وما اللاعنان يا رسول اللَّه قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم‏)‏‏.‏ وفي رواية لابن حبان ‏(‏وأفنيتهم‏)‏ وفي رواية ابن الجارود ‏(‏أو مجالسهم‏)‏ وفي لفظ للحاكم ‏(‏من سل سخيمته أي غائطه على طريق عامرة من طرق المسلمين فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين‏)‏ وإسناده ضعيف‏.‏

قال الحافظ ابن حجر‏:‏ وفي ابن ماجه عن جابر بإسناد حسن مرفوعًا ‏(‏إياكم والتعريس على جواد الطريق فإنها مأوى الحيات والسباع وقضاء الحاجة عليها فإنها الملاعن‏)‏‏.‏ وعن ابن عمر ‏(‏نهى أن يصلي على قارعة الطريق أو يضرب عليها الخلاء أو يبال فيها‏)‏‏.‏ وفي إسناده ابن لهيعة‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ رفعه غير ثابت‏.‏

وقال في التقريب‏:‏ إن أبا سعيد الحميري شامي مجهول وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الشعبي مرسلًا أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏اتقوا الملاعن وأعدوا النبل‏)‏‏.‏ ورواه أبو عبيد من وجه آخر عن الشعبي عمن سمع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال ابن حجر‏:‏ وإسناده ضعيف‏.‏ ورواه ابن أبي حاتم في العلل من حديث سراقة مرفوعًا وصحح أبوه وقفه‏.‏ والنبل بضم النون وفتحها الأحجار الصغار التي يستنجى بها‏.‏

والحديث يدل على المنع من قضاء الحاجة في الموارد والظل وقارعة الطريق لما في ذلك من الأذية للمسلمين والبراز قد سبق ضبطه في باب الإبعاد والاستتار‏.‏ والمراد بالموارد المجاري والطرق إلى الماء واحدها مورد‏.‏ والمراد بقارعة الطريق أعلاه سمي بذلك لأن المارين عليه يقرعونه بنعالهم وأرجلهم قاله ابن رسلان‏.‏ والمراد بالظل الموضع الذي يستظل به الناس ويتخذونه مقيلًا وينزلونه لا كل ظل‏.‏

وعن عبد اللَّه بن المغفل عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس منه‏)‏‏.‏

رواه الخمسة لكن قوله‏:‏ ‏(‏ثم يتوضأ فيه‏)‏ لأحمد وأبي داود فقط‏.‏

قال الترمذي‏:‏ حديث غريب وأخرجه الضياء في المختارة بنحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في مستحمه‏)‏ المستحم المغتسل سمي باسم الحميم وهو الماء الحار الذي يغتسل به وأطلق على كل موضع يغتسل فيه وإن لم يكن المار حارًا وقد صرح في حديث آخر بذكر المغتسل ولفظه قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله‏)‏‏.‏ أخرجه أبو داود والنسائي وراويه عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مجهول وجهالة الصحابي لا تضر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عامة الوسواس‏)‏ هو بكسر الواو الأولى حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه وأما بفتحها فاسم للشيطان‏.‏

الحديث يدل على المنع من البول في محل الاغتسال لأنه يبقى أثره فإذا انتضح إلى المغتسل شيء من الماء بعد وقوعه على محل البول نجسه فلا يزال عند مباشرة الاغتسال متخيلًا لذلك فيفضي به إلى الوسوسة التي علل صلى اللَّه عليه وآله وسلم النهي بها‏.‏

وقد قيل إنه إذا كان للبول مسلك ينفذ فيه فلا كراهة وربط النهي بعلة إفضاء المنهي عنه إلى الوسوسة يصلح قرينة لصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة‏.‏

6- وعن جابر عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏أنه نهى أن يبال في الماء الراكد‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وابن ماجه‏.‏

قد تقدم الكلام على الحديث في باب بيان زوال تطهير الماء وفي باب حكم الماء فليرجع إليهما‏.‏

 باب البول في الأواني للحاجة

1- عن أميمة بنت رقيقة عن أمها قالت‏:‏ ‏(‏كان للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان والحاكم‏.‏ ورواه أبو ذر الهروي في مستدركه وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده والحاكم والدارقطني والطبراني وأبو نعيم من حديث أبي مالك النخعي عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن أم أيمن قالت‏:‏ ‏(‏قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الليل إلى فخارة له في جانب البيت فبال فيها فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أشعر فلما أصبح النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ يا أم أيمن قومي فأهريقي ما في تلك الفخارة قلت‏:‏ قد واللَّه شربته قال‏:‏ فضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال‏:‏ أما واللَّه لا يبعجن بطنك أبدًا‏)‏‏.‏

ورواه أبو أحمد العسكري بلفظ‏:‏ ‏(‏لن تشتكي بطنك‏)‏ وأبو مالك ضعيف ونبيح لم يلحق أم أيمن‏.‏ وله طريق أخرى رواها عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرت‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يبول في قدح من عيدان ثم يوضع تحت سريره فجاء فإذا القدح ليس فيه شيء فقال لامرأة يقال لها بركة كانت تخدم أم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة‏:‏ أين البول الذي كان في القدح قالت‏:‏ شربته قال صحة يا أم يوسف وكانت تكنى أم يوسف فما مرضت حتى كان مرضها الذي ماتت فيه‏)‏‏.‏

والحديث يدل على جواز إعداد الآنية للبول فيها وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من عيدان‏)‏ هو بفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة التحتية طوال النخل الواحدة عيدانة‏.‏ وفي القاموس كان للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قدح من عيدانة يبول فيها بالليل انتهى‏.‏

2- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏يقولون أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أوصى إلى علي لقد دعي بالطست ليبول فيها فانخنثت نفسه وما شعرت فإلى من أوصى‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏:‏ انخنثت أي انكسرت وانثنت‏.‏

الحديث أخرجه الشيخان أيضًا من حديث الأسود بن يزيد قال‏:‏ ذكروا عند عائشة رضي اللَّه عنها أن أمير المؤمنين عليًا رضي اللَّه عنه كان وصيًا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قالت‏:‏ متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري وما شعرت أنه مات فمتى أوصى إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انخنثت‏)‏ هو كما ذكر المصنف الانثناء والانكسار والمراد بقوله‏:‏ في رواية الصحيحين انخنث أي استرخى فانثنت أعضاؤه‏.‏

والحديث ساقه المصنف للاستدلال به على جواز البول في الآنية مؤيدًا به الحديث الأول لما كان فيه ذلك المقال ولكنه وقع في حال المرض ولم يذكر المصنف الحديث هذا في الوصايا كغيره حتى يحيل الكلام عليه إلى هنالك‏.‏ والإنكار لوصاية أمير المؤمنين على المفهوم من استفهام أم المؤمنين لا يدل على عدم ثبوتها‏.‏ وعدم وقوعها من النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في ذلك الوقت الخاص لا يدل على العدم المطلق وقد استوفينا الكلام على ذلك في رسالة مستقلة لما سأل عن ذلك بعض العلماء‏.‏

 باب ما جاء في البول قائمًا

1- عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏من حدثكم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بال قائمًا فلا تصدقوه ما كان يبول إلا جالسًا‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا أبا داود وقال الترمذي‏:‏ هو أحسن شيء في هذا الباب وأصح‏.‏

قال الترمذي‏:‏ وفي الباب عن عمر وبريدة‏.‏ وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم ابن أبي المخارق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال‏:‏ ‏(‏رآني النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأنا أبول قائمًا فقال‏:‏ يا عمر لا تبل قائمًا فما بلت قائمًا بعد‏)‏‏.‏ قال الترمذي‏:‏ وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم ابن أبي المخارق وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أيوب السختياني وتكلم فيه وروى عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر ‏(‏ما بلت قائمًا منذ أسلمت‏)‏ وهذا أصح من حديث عبد الكريم‏.‏

وحديث بريدة في هذا غير محفوظ وهو بلفظ‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثلاث من الجفاء أن يبول الرجل قائمًا أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته أو ينفخ في سجوده‏)‏ ورواه البزار‏.‏ وفي إسناد حديث الباب شريك بن عبد اللَّه وقد أخرج له مسلم في المتابعات‏.‏ وقد روي عن عبد اللَّه بن مسعود أنه قال‏:‏ من الجفاء أن يبول الرجل قائمًا‏.‏

والحديث يدل على أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ما كان يبول حال القيام بل كان هديه في البول القعود فيكون البول حال القيام مكروهًا ولكن قول عائشة هذا لا ينفي إثبات من أثبت وقوع البول منه حال القيام كما سيأتي من حديث حذيفة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم انتهى إلى سباطة قوم فبال قائمًا‏)‏ ولا شك أن الغالب من فعله هو القعود والظاهر أن بوله قائمًا لبيان الجواز وقيل إنما فعله لوجع كان بمأبضه ذكره ابن الأثير في النهاية وروى الحاكم والترمذي من حديث أبي هريرة قال إنما بال قائمًا لجرح كان في مأبضه قال الحافظ‏:‏ ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي والمأبض باطن الركبة‏.‏ وقيل فعله استشفاء كما سيأتي عن الشافعي‏.‏ وقيل لأن السباطة رخوة يتخللها البول فلا يرتد إلى البائل منه شيء وقيل إنما بال قائمًا لكونها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت ففعل ذلك لكونه قريبًا من الديار ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن عمر رضي اللَّه عنه قال البول قائمًا أحصن للدبر‏.‏

قال ابن القيم في الهدي‏:‏ والصحيح إنما فعل ذلك تنزيهًا وبعدًا من إصابة البول فإنه إنما فعل هذا لما أتى سباطة قوم وهو ملقى الكناسة وتسمى المزبلة وهي تكون مرتفعة فلو بال فيها الرجل قاعدًا لارتد عليه بوله وهو صلى اللَّه عليه وآله وسلم استتر بها وجعلها بينه وبين الحائط فلم يكن من بوله قائمًا ولا يخفى ما في هذا الكلام من التكلف‏.‏

‏[‏والحاصل‏]‏ أنه قد ثبت عنه البول قائمًا وقاعدًا والكل سنة فقد روي عن عبد اللَّه بن عمر أنه كان يأتي تلك السباطة فيبول قائمًا هذا إذا لم يصح في الباب إلا مجرد الأفعال أما إذا صح النهي عن البول حال القيام كما سيأتي من حديث جابر أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم نهى أن يبول الرجل قائمًا وجب المصير إليه والعمل بموجبه ولكنه يكون الفعل الذي صح عنه صارفًا للنهي إلى الكراهة على فرض جهل التاريخ أو تأخر الفعل لأن لفظ الرجل يشمله صلى اللَّه عليه وآله وسلم بطريق الظهور فيكون فعله صالحًا للصرف لكونه وقع بمحضر من الناس فالظاهر أنه أراد التشريع ويعضده نهيه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لعمر وإن كان فيه ما سلف‏.‏

وقد صرح أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين بأن البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديث عائشة السابق وبحديثها أيضًا ما بال قائمًا منذ أنزل عليه القرآن رواه أبو عوانة في صحيحه والحاكم قال الحافظ‏:‏ والصواب أنه غير منسوخ‏.‏

والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن‏.‏

وقد ثبت أن أمير المؤمنين علي وعمر وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قيامًا وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش ولم يثبت عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في النهي عنه شيء انتهى‏.‏

2- وعن جابر رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يبول الرجل قائمًا‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

الحديث في إسناده عدي بن الفضل وهو متروك وقد عرفت ما قاله الحافظ من عدم ثبوت شيء في النهي عن البول من قيام عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏ وقد حكى ابن ماجه عن بعض مشايخه أنه قال‏:‏ كان من شأن العرب البول من قيام ويدل عليه ما في حديث عبد الرحمن بن حسنة الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وغيرهما فإن فيه ‏(‏بال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم جالسًا فقلنا انظروا إليه يبول كما تبول المرأة‏)‏ وما في حديث حذيفة بلفظ‏:‏ ‏(‏فقام كما يقوم أحدكم‏)‏ وذلك يشعر بأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يخالفهم ويقعد لكونه أستر وأبعد من مماسة البول‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وهو يعني حديث عبد الرحمن صحيح صححه الدارقطني وغيره ويدل عليه حديث عائشة الذي رواه أبو عوانة في صحيحه والحاكم بلفظ‏:‏ ‏(‏ما بال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قائمًا منذ أنزل عليه القرآن‏)‏‏.‏ ويدل عليه أيضًا حديثها السالف‏.‏

وقد روي عن أبي موسى التشديد في البول من قيام فروي عنه أنه رأى رجلًا يبول قائمًا فقال‏:‏ ويحك أفلا قاعدًا ثم ذكر قصة بني إسرائيل من أنه كان إذا أصاب جسد أحدهم البول قرضه‏.‏

وقد ذهبت العترة والأكثر إلى كراهة البول قائمًا وذهب أبو هريرة والشعبي وابن سيرين إلى عدم الكراهة والحديث لو صح وتجرد عن الصوارف لصلح متمسكًا للتحريم ولكنه لم يصح كما قاله الحافظ وعلى فرض الصحة فالصارف موجود فيكون البول من قيام مكروهًا وقد عرفت بقية الكلام في الحديث الأول‏.‏

3 - وعن حذيفة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم انتهى إلى سباطة قوم فبال قائمًا فتنحيت فقال‏:‏ ادنه فدنوت حتى قمت عند عقبيه فتوضأ ومسح على خفيه‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏:‏ والسباطة ملقى التراب والقمام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سباطة قوم‏)‏ السباطة بمهملة مضمومة بعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقًا لأهلها وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك لأنها لا تخلو عن النجاسة وبهذا يندفع إيراد من استشكل الرواية التي ذكر فيها الجدار قائلًا إن البول يوهي الجدار ففيه إضرار قال في الفتح‏:‏ أو نقول إنما بال فوق السباطة لا في أصل الجدار وهو صريح في رواية أبو عوانة في صحيحه‏.‏ وقيل يحتمل أن يكون علم إذنهم في ذلك بالتصريح أو غيره أو لكونه مما يتسامح الناس به أو لعلمه بإيثارهم إياه بذلك أو لكونه يجوز له التصرف في مال أمته دون غيره لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم وهذا وإن كان صحيح المعنى لكنه لم يعهد ذلك من سيرته ومكارم أخلاقه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال ادنه‏)‏ استدل به على جواز الكلام في حال البول وفيه أن هذه الرواية قد بينت في رواية البخاري أن قوله‏:‏ ادنه بالإشارة لا باللفظ فلا يتم الاستدلال قاله الحافظ‏.‏

وقد استشكل بأن قرب حذيفة منه بحيث يسمع نداءه ويفهم إشارته مخالف لما عرف من عادته من الإبعاد عند قضاء الحاجة عن أعين الناظرين‏.‏ وقد أجيب عن ذلك بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان مشغولًا بمصالح المسلمين فلعله طال عليه المجلس حتى احتاج إلى البول فلو أبعد لتضرر وقيل فعل ذلك لبيان الجواز وقيل إنه فعل ذلك في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف ولما يقترن به من الرائحة وقيل إن الفرض من الإبعاد التستر وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو من الساتر‏.‏

والحديث يدل على جواز البول من قيام وقد سبق الكلام على ذلك‏.‏ قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ ولعله لم يجلس لمانع كان بها أو وجع كان به وقد روى الخطابي عن أبي هريرة أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بال قائمًا من جرح كان بمأبضه ويحمل قول عائشة رضي اللَّه عنها على غير حال العذر والمأبض ما تحت الركبة من كل حيوان وقد روي عن الشافعي أنه قال‏:‏ كانت العرب تستشفي لوجع الصلب بالبول قائمًا فيرى أنه لعله كان به إذ ذاك وجع الصلب اهـ‏.‏ وقد عرفت تضعيف الدارقطني والبيهقي لحديث أبي هريرة في الحديث الأول من هذا الباب‏.‏